الأمن المعتمد على السلوك

في عالمنا الرقمي، أصبحت حماية البيانات تحديًا مستمرًا. لطالما اعتمد الأمن السيبراني التقليدي على القواعد الصارمة لاكتشاف التهديدات المعروفة. لكن التهديدات الحديثة غالبًا ما تأتي من الداخل أو تستخدم بيانات اعتماد موثوقة. هنا يتدخل مفهوم الأمن المعتمد على السلوك User and Entity Behavior Analytics - UEBA، ليقدم ثورة في الحماية. إنه حارس ذكي يتعلم شخصية كل مستخدم وكل جهاز، ويكتشف الخطر من خلال تغير سلوكه. في هذه المقالة، سنشرح كيف يعمل هذا الحارس الذكي، ولماذا أصبح ضرورة قصوى لمواجهة التهديدات الداخلية والحسابات المخترقة.

ما هو الأمن المعتمد على السلوك UEBA؟
لفهم UEBA، تخيل أنك تمتلك بنكًا. أنظمة الأمن التقليدية تبحث عن تهديدات خارجية معروفة. لكن UEBA يركز على التهديد الذي يأتي من الداخل، حتى لو كان يمتلك مفاتيح الوصول.
الأمن المعتمد على السلوك UEBA هو نظام تحليل متقدم يستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمراقبة وتحديد الأنماط السلوكية الطبيعية لكل مستخدم الموظفين ولكل كيان الأجهزة، الخوادم، التطبيقات داخل الشبكة.
تعريف مبسط: UEBA هو تقنية أمنية تبني بصمة سلوكية لكل فرد وجهاز، ثم تراقب أي انحراف عن هذه البصمة، معتبرةً إياه مؤشرًا محتملاً للخطر.

في البداية، كان المفهوم يسمى تحليل سلوك المستخدم UBA ويركز على البشر فقط. لكن مع تطور التهديدات، تم إضافة حرف E Entity - الكيان ليصبح UEBA، ليشمل مراقبة سلوك الأجهزة، الخوادم، وقواعد البيانات، بالإضافة إلى المستخدمين. هذا التوسع ضروري لأن الهجمات غالبًا ما تستغل الحسابات الآلية والكيانات غير البشرية.

كيف يعمل الحارس الذكي؟
يعمل نظام UEBA في دورة مستمرة من ثلاث خطوات رئيسية:
الخطوة 1: جمع البيانات. الاستماع إلى كل شيءUEBA يجمع المعلومات من كل زاوية وركن في شبكة المؤسسة. لا يكتفي بسجلات الدخول والخروج، بل يجمع:

·  سجلات الدخول: متى وأين ومن أي جهاز دخل المستخدم.

·  سجلات الوصول إلى الملفات: ما هي الملفات التي تم فتحها، تعديلها، أو حذفها.

·  سجلات الشبكة: كمية البيانات التي تم تحميلها أو تنزيلها، وإلى أين ذهبت.

·  سجلات البريد الإلكتروني: أنماط إرسال واستقبال الرسائل.

·  بيانات الموارد البشرية: دور المستخدم، قسمه، وموقعه الجغرافي.

 الخطوة 2: بناء خط الأساس تعلم السلوك الطبيعي. هذه هي المرحلة الأهم. يستخدم UEBA التعلم الآلي لتحليل البيانات التي جمعها، ويبدأ في بناء الملف السلوكي أو خط الأساس لكل مستخدم وكيان.

مثال توضيحي:
الموظف سارة تعمل عادةً من 9 صباحًا حتى 5 مساءً، وتدخل إلى خادم المبيعات من جهازها المحمول، وتنزّل 50 ميجابايت من البيانات يوميًا. هذا هو خط الأساس لسارة. خادم المحاسبة يتواصل عادةً مع 3 أجهزة فقط، ويقوم بنسخ احتياطي لقاعدة البيانات في 2 صباحًا. هذا هو خط الأساس للخادم. الذكاء الاصطناعي هنا لا يعتمد على قواعد مبرمجة مسبقًا، بل يتعلم الأنماط بنفسه.
 

 الخطوة 3: اكتشاف الشذوذ وتحديد درجة المخاطرة قرع جرس الإنذاربمجرد إنشاء خط الأساس، يبدأ UEBA في مراقبة النشاط الجديد ومقارنته بالنمط الطبيعي. أي انحراف يعتبر شذوذًا Anomaly.

متى يقرع جرس الإنذار؟
سارة تسجل الدخول في الساعة 3 صباحًا من دولة أخرى، وتحاول الوصول إلى ملفات الموارد البشرية وهو ليس من اختصاصها، وتقوم بتنزيل 5 جيجابايت من البيانات. خادم المحاسبة يبدأ فجأة في إرسال بيانات مشفرة إلى عنوان IP خارجي غير معروف في منتصف النهار. بدلاً من إصدار إنذار بسيط لكل شذوذ، يقوم UEBA بتعيين درجة مخاطرة Risk Score. كلما زادت الانحرافات عن السلوك الطبيعي، ارتفعت درجة المخاطرة، وعند تجاوز حد معين، يتم إرسال تنبيه عالي الأولوية إلى فريق الأمن.

السلوك

هل هو شاذ؟

درجة المخاطرة

التفسير المحتمل

تسجيل الدخول من جهاز جديد

نعم

منخفضة

قد تكون اشترت جهازًا جديدًا.

محاولة الوصول إلى ملفات سرية لأول مرة

نعم

متوسطة

قد تكون محاولة تجسس أو خطأ غير مقصود.

تنزيل كمية ضخمة من البيانات في وقت غير معتاد

نعم

عالية

قد يكون حسابها قد تم اختراقه أو أنها تهديد داخلي خبيث.

 

لماذا نحتاج إلى UEBA في عصرنا؟
في الماضي، كان الأمن السيبراني يركز على منع الدخول. اليوم، أصبح التركيز على اكتشاف من هو بالداخل بالفعل. يتفوق UEBA في كشف ثلاثة أنواع رئيسية من التهديدات:

التهديدات الداخلية Insider Threats
هذا هو المجال الذي يتألق فيه UEBA. التهديد الداخلي يمكن أن يكون نوعين:

·  التهديد الداخلي الخبيث: موظف ساخط يستخدم صلاحياته المشروعة لسرقة البيانات، لكن سلوكه يتغير فجأة مثل الوصول إلى ملفات غير ضرورية لدوره.

·  التهديد الداخلي المهمل أو المخترق: موظف يقع ضحية لرسالة تصيد، مما يسمح للمخترق بالسيطرة على حسابه. المخترق يستخدم بيانات اعتماد صحيحة، لكن سلوكه سيكون مختلفًا عن سلوك الموظف الحقيقي مثل محاولة الدخول من موقع جغرافي مختلف.

UEBA هو الأداة المثالية لكشف هذه التهديدات لتركيزه على كيفية استخدام الصلاحيات.

الحسابات المخترقة Compromised Accounts
عندما يسرق المخترق اسم مستخدم وكلمة مرور، فإنه يحصل على مفتاح شرعي. لكن المخترق ليس الموظف الحقيقي، وسلوكه سيختلف حتمًا. قد يحاول:

·  الوصول إلى أنظمة لم يزرها الموظف من قبل.

·  تغيير أنماط العمل مثل استخدام بروتوكولات اتصال مختلفة.

·  العمل في منتصف الليل أو في أيام العطلات.

UEBA يكتشف هذا التباين فورًا، حتى لو كانت بيانات الدخول صحيحة 100%.

الهجمات المتقدمة بطيئة الكشف Low-and-Slow Attacks
بعض الهجمات لا تحدث دفعة واحدة، بل تتطور ببطء على مدى أسابيع أو أشهر لتجنب الكشف. قد يقوم المخترق بتنزيل كمية صغيرة جدًا من البيانات كل يوم، أو يحاول الوصول إلى نظام جديد مرة واحدة في الأسبوع. هذه الأنماط البطيئة يصعب جدًا على أنظمة الأمن التقليدية القائمة على القواعد الثابتة اكتشافها.
UEBA، بفضل قدرته على تحليل السلوك على المدى الطويل وبناء خطوط أساس دقيقة، يمكنه ربط هذه النقاط الصغيرة وتحديد أن هذا السلوك البطيء هو في الواقع هجوم متطور.

 UEBA مقابل SIEM التكامل لا التنافس
قد يتساءل البعض: أليس هذا ما يفعله نظام إدارة معلومات وفعاليات الأمن SIEM؟
نظام SIEM Security Information and Event Management هو نظام مركزي يجمع السجلات والإنذارات من جميع الأجهزة الأمنية ويطبق عليها قواعد ثابتة مثل: إذا فشل تسجيل الدخول 5 مرات في دقيقة واحدة، أطلق إنذارًا.

الميزة

UEBA الأمن المعتمد على السلوك

SIEM إدارة الفعاليات الأمنية

التركيز الأساسي

السلوك والشذوذ

السجلات والفعاليات والقواعد

آلية الكشف

التعلم الآلي والتحليل الإحصائي

القواعد الثابتة والتوقيعات المعروفة

نوع التهديد المثالي

التهديدات الداخلية، الحسابات المخترقة، الهجمات المجهولة

الفيروسات المعروفة، محاولات الاختراق الواضحة، الامتثال

الناتج الرئيسي

درجة المخاطرة والملف السلوكي

تنبيهات بناءً على القواعد

 

·  التكامل هو المفتاح: UEBA لا يحل محل SIEM، بل يضيف إليه طبقة ذكاء فائقة.

·  SIEM يخبرك: حدث فشل في تسجيل الدخول.

·  UEBA يخبرك: فشل تسجيل الدخول هذا حدث في الساعة 3 صباحًا، من جهاز غير معروف، لحساب لم يسبق له أن فشل في تسجيل الدخول، ودرجة مخاطر هذا الحدث هي 9/10.

UEBA يأخذ البيانات من SIEM ويحولها من سجلات إلى قصص سلوكية ذات مغزى أمني.

التحديات والمستقبل
على الرغم من القوة الهائلة لـ UEBA، إلا أن تطبيقه لا يخلو من التحديات:

·  تحدي البيانات الضخمة Big Data Challenge
يتطلب UEBA كميات هائلة من البيانات لتعلم السلوك الطبيعي، مما يستلزم بنية تحتية قوية ومكلفة لجمعها وتخزينها ومعالجتها.

·  تحدي الضوضاء False Positives
في المراحل الأولى، قد يطلق النظام إنذارات خاطئة False Positives لأن خط الأساس لم يكتمل بعد. يتطلب الأمر وقتًا وجهدًا من فريق الأمن لـ تدريب النظام وتحسين دقة خط الأساس وتقليل هذه الإنذارات.

·  تحدي الخصوصية Privacy Concerns
نظرًا لأن UEBA يراقب كل حركة للمستخدم، تثار مخاوف بشأن خصوصية الموظفين. يجب على المؤسسات أن تكون شفافة بشأن المراقبة وكيفية استخدام البيانات، وأن تلتزم باللوائح القانونية لحماية الخصوصية.

 المستقبل UEBA والذكاء الاصطناعي التوليدي
يتجه مستقبل UEBA نحو الاندماج الأعمق مع الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحليل التنبؤي. لن يكتفي النظام باكتشاف الشذوذ، بل سيصبح قادرًا على:

·  التنبؤ بالخطر: تحديد الكيانات التي تظهر عليها علامات مبكرة للخطر قبل وقوع الضرر.

·  الاستجابة الآلية SOAR: اتخاذ إجراءات فورية تلقائيًا، مثل حظر وصول المستخدم مؤقتًا عند تجاوز درجة المخاطرة حدًا معينًا.

·  تحليل السياق المعقد: فهم السياق البشري وراء السلوك بشكل أفضل لتقليل الإنذارات الخاطئة.

لقد تجاوز الأمن السيبراني مرحلة الاعتماد على القواعد الثابتة. في عصر التهديدات الداخلية، لم يعد كافيًا أن تسأل: هل هذا التوقيع معروف؟ بل يجب أن تسأل: هل هذا السلوك طبيعي؟
الأمن المعتمد على السلوك UEBA هو الإجابة على هذا السؤال. إنه يمثل نقلة نوعية من الدفاع السلبي إلى المراقبة الاستباقية والذكية. من خلال بناء فهم عميق لسلوك كل فرد وكل كيان، يمنحك UEBA القدرة على اكتشاف الأعداء الذين يختبئون في وضح النهار.
إن تبني هذه التقنية هو استثمار في الذكاء الأمني الذي يضمن أن حارسك الذكي يعرفك ويعرف شبكتك.